الأربعاء، 30 مارس 2016

ماهية الخالق

هناك عدة وجهات نظر بخصوص الخالق، والتي حمَلتها المعرفة المنحدرة إلينا من الماضي البعيد. لكن يمكن تلخيص أبرزها فيما يلي:




● الخالق هو شيء يشمل مظاهر أنثوية وذكورية. شيء تمكَّن من أن يجسِّد بداخله قوانين الزمان والمكان وخلق أعداداً لا تُحصى من "إسقاطاته الذاتية" وفق شيفرة جينية واحدة.

● كل "الإسقاطات" (التي أوجدها الخالق) لا تجسِّد في ذاتها قوانين الزمان والمكان. وسط عملية تطوِّر الأشكال وفق البرمجة الجينية للخالق، تعيش هذه "الإسقاطات" في مكان وزمان معيَّن ولفترة معيَّنة.

● كل من هذه "الإسقاطات" (الكائن البشري مثال لأحد الإسقاطات) تحمل ضمن كينونتها عدة مستويات من "الأجسام الطاقية"، وجميع هذه المستويات موصولة مباشرة بالخالق. نحن نمثِّل "عيونه"، "خلاياه".. من خلالنا يرى الخالق العالم، يعلم عن نفسه، هو الذي خارج سياق الزمان والمكان، ليس له بداية أو نهاية...

● من خلال خلقه للكون، يكون الخالق قد دخل المرحلة التالية من نموه التطوُّري. سيبقى في هذا التطور طالما تطلبته الضرورة قبل الانتقال إلى مرحلة تطورية أرقى عبر المعرفة الذاتية والتحسين الذاتي. من أجل إحراز هذا التحوُّل، على الخالق أن يستوعب ويُتقن وبالتالي يجسِّد داخله قوانين تناسب نظاماً أعلى. تعمل آلية التعلُّم عبر "المعرفة الذاتية والتحسين الذاتي" وفق النموذج التالي:




- ينتج الخالق داخل نفسه (في صميمه) عدد X من "إسقاطاته الذاتية"، فتبدأ بالتطوُّر وفقاً للبرنامج الذي تصوَّره. من خلال المرور عبر مراحل تطورية مختلفة، في سياق العديد من التجسيدات الدورية (التناسخ)، كل "إسقاط" (ابتداءاً من أصغر إلى أكبر شيء في الكون) يجمع المعرفة والخبرة، بينما كمونه الطاقي ينمو تدريجياً. من خلال نقل إسقاطاته من مكان إلى آخر ومن زمان إلى آخر، يراقب الخالق العالم عبرها، وبها يتعلَّم عن الكائن الذي يخلقه ويطوِّره داخل نفسه.

- خلال السير في دروب التطوُّر الطويلة والشائكة، تصل هذه "الإسقاطات" المخلوقة من الخالق إلى قمة تطورها، ويكون قد زاد كمون الخالق، فيدخل بعدها إلى حالة جديدة يترقَّب فيها التحوُّل إلى المستوى التالي من وجوده.

هذه المعرفة التي قولبت الوضعية الحالية لوجهة النظر العالمية، مُنحت للإنسانية منذ زمن بعيد لكن بهدف جعل الناس يستوعبون حقيقة أن الحياة التي منحها الخالق للإنسان هي "هدية" لا تُقدَّر بثمن كما أنها "مسؤولية" كُبرى. سوف يتحوَّل وعي الشخص إلى وعي كوني مجرَّد أن أدرك حقيقة أن ".. الخالق يكمِّل نفسه عبر خليقته..". وفقاً لهذه الحقيقة، الشخص لا يخلق حياته الفردية فحسب، بل يساهم أيضاً وبدرجة معيَّنة في خلق مستقبل الكون.

تبدأ الأخلاق الكونية مع إدراك حقيقة أن الله يراقبنا عبر الناس من حولنا، بصرف النظر عن لون جلدتهم أو عقيدتهم الدينية. بالتالي قبل اتخاذ أي خطوة أو قرار قد يؤثِّر على حياة شخص آخر، وجب عليك التذكُّر بأن الخالق يراقبك عبر الناس. من خلال الإقدام على فعلٍ معيَّن تجاه شخص آخر، فأنت بذلك قد فعلته للخالق.

خلال الكلام عن معنى الحياة، تذكَّر بأنه عبر أعمال الإنسان، عبر تطوير الوعي الفردي والجماعي، الخالق يكمِّل نفسه. بالتالي يكمن معنى الحياة في «اكتساب المعرفة»، اكتساب المعرفة عن الذات والتحسين الذاتي من أجل مصلحة الإنسانية، وهذا طبعاً يعني من أجل مصلحة الخالق.

يجب ملاحظة أنه لا يُقصد من خلال عبارة "الخالق يُكمِّل نفسه" بأنه "غير مكتمل"، فقد تخطر هذه الفكرة ببال الكثير من القرَّاء. لذلك قبل الخروج بهذا الاستنتاج الخاطئ يجب النظر للأمر بطريقة هولوجرافية كي تتضح الفكرة جيداً. المستوى المادي للكون (أي المرئي والملموس) يُمثِّل القسم الدنيوي من الخالق، بينما المستوى التجاوزي يُمثِّل القسم الروحي منه. القسم الدنيوي للكون يحتلُّ حيزاً زمانياً ومكانياً، وبالتالي فهو خاضع لعاملي المكان والزمان، أي بمعنى آخر لازال هذا القسم في الكون ينزح نحو الكمال ولكنه لم يصل بعد. بينما المستوى التجاوزي (الروحي) لا يخضع لعاملي المكان والزمان، حيث هو كلِّي الوجود، أزلي الوجود، ليس له بداية ولا نهاية، وبالتالي يتمتع بالكمال دائماً وأبداً. كل ما يحصل من أحداث ومجريات متسلسلة زمنياً في واقعنا الدنيوي تكون قد حصلت واكتملت في الواقع التجاوزي.

إن المعرفة (أي نوع من المعرفة) ليست مجرَّد بَركة نزلت على الإنسانية، بل هي مسؤولية أيضاً. كيف سيكون العالم، من وماذا سيستفيد من الخدمات المترتبة من "معرفة الخالق"، كل هذه الأمور وغيرها تعتمد على الإنسانية. "المعرفة القديمة" تمنح المفتاح لفهم حقيقة أننا موصولون عبر خيوط خفيَّة بكل العالم من حولنا وكذلك ببعضنا البعض.

لازالت الإنسانية تعتقد بشكل خاطئ بأن مستوى تقدم الحضارة يُقاس من خلال إنجازاتها العلمية والتكنولوجية. سوف يأتي الوقت الذي يدرك فيه الناس بأن المقياس الفعلي للتقدم يعتمد على مدى "معرفة الخالق". فالإنجازات الحقيقية للحضارة لا تكمن في معرفة كيفية صناعة جهاز ليزر أو آلة طائرة. الأمر الأساسي يكمن في عامل العلاقات الإنسانية، والمستندة أصلاً على قاعدة "معرفة الخالق". في وقت من الأوقات، بعد إكمال مسيرتنا التطورية الكونية في رحاب "الكلّ" العظيم، سوف نصبح قادرين على خلق أكوان. لكن في الوقت الحالي، قبل التطور لنصبح آلهة، وجب علينا أولاً أن نكون بشراً حقيقيين!.


المصدر


علاء الحلبي: من نحن ج7 في رحاب الكلّ العظيم الفلسفة الخالدة، ص - ص: 373 - 377.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق