الأحد، 28 فبراير 2016

الأنبياء الكَذَبة


تيل سوان Teal Swan

في عالم اليوم وخلال عصر المعلومات ظهر الكثير من الأشخاص الذين أعلنوا عن أنفسهم كأنبياء، وذلك أكثر من أي وقت مضى. وبالتالي فإن السؤال الذي يطرح نفسه، كيف يمكن التمييز بين النبي الحقيقي والنبي الكذاب أو المزيف؟

النبي الكذاب هو الذي يدعي زوراً هِبة النبوة أو الوحي الإلهي ويستخدم هذه الهبة لأغراض شريرة. هنا تبدأ بمواجهتنا أول مشكلة، ففي كثير من الأحيان يُعتبر شخص ما "نبياً حقيقياً" من قبل بعض الناس ويعتبر في نفس الوقت "نبياً كذاباً" من قبل آخرين. أنا لست استثناءاً لهذه القاعدة (تيل سوان تقصد نفسها)، وفي الواقع هناك أناس يعتقدون أن موقفي في هذا الموضوع أو الشأن بالذات هو مجرد دليل آخر على أنني أنا نفسي نبي كاذب. لذا ما هو بالضبط موقفي من الأنبياء الكذبة؟. في الحقيقة لا يوجد هناك شيء اسمه نبي كاذب!.

لا يمكنك أن تكون منفصلاً عن هذا الوعي الموحد الذي يدعوه الناس بـ الله أو المصدر أو الكون، فكل ما يجري على الأرض هو امتداد له (تجلي أو تجسيد)، لذلك كل شخص هو نبي سواء كان يعرف ذلك أم لا. الله أو الكون ليس انتقائياً فيما يخص من يلهم أو من يتحدث إليه. ما هي اللغة التي يتحدث بها "المصدر" مع الناس؟. إنه يتحدث معهم بطرق عدة وبالأخص عبر التزامن (ما يُسمى خطئاً بالصدفة) وعبر التأمل. ولكن ما تسمعه من الناس وأنا منهم هو ترجمة (أي تفسير المعلومات التي تم إبلاغها من قِبَل الله أو الكون). التفسيرات تعتمد كلياً على المنظور، فكل شخص لديه وجهة نظر يقترحها ولكن وجهة النظر ليست الحقيقة.

المعلم الذي يقول لك بأن تفسيراته تمثل الحقيقة المطلقة لا يساعدك، لأنه في الواقع يبعدك عن اكتشاف الحقيقة بنفسك. بالنسبة لي كل ما أستطيع فعله هو تقديم وجهة نظري، فإذا كانت تناسبك يمكنك الاحتفاظ بها، وإذا لم يحدث ذلك حاول أن تبحث في وجهات نظر أخرى. إذا كنت ترغب في أجزاء من وجهة نظري احتفظ بها وتجاهل تلك التي لا تناسبك إلى أن تشكل وجهة نظرك بشكل كامل. وجهة نظري هي لو أنني كنت الله المتفرد الوحيد هناك، لأردت إنزال أنبياء كذبة كثيرين للتشويش على الناس لدرجة تصيبهم فيها بخيبة أمل حتى من قِبَل المعلمين، وذلك من أجل أن يبدأوا بالبحث عن إجاباتها داخل أنفسهم. الأنبياء الكذبة يتسببون بتحرير أنفسنا من ضعف الحاجة إلى الذهاب للكنيسة للوصول إلى الله أو من الحاجة للتحدث مع الكاهن للوصول إلى الله أو من الحاجة للحصول على إجابات من شخص آخر.

جميع الأنبياء حقيقيون ولا يمكن أن يكونوا مزيفين لأنهم يمنحوننا الفرصة لمعرفة أنفسنا وحقيقتنا بشكل كامل، وهذا هو المدخل للثقة بالنفس. جميع الأنبياء يعلمون الثقة بالنفس سواء بتدريسك مباشرة أو عبر تزويدك بتعليم غير مباشر من خلال توفير الكثير من التناقض الذي أنت وحدك تحدد ما يجب أن تقبله وترفضه. مهمتك ليست العثور على حقيقة ثابتة يتفق عليها الجميع، وإنما إيجاد الحقيقة الخاصة بك لا أكثر ولا أقل.

لدينا إدمانٌ على الحقيقة لأن لدينا إدماناً على أن نكون محقين، لكن لماذا نرغب في الحقيقة بهذا القدر من الإلحاح؟. في الواقع نحن نريد الحقيقة لأننا نعتقد بأنها ستجعلنا نشعر بالارتياح والاطمئنان إلى معرفتها. لا يمكننا تحمل فكرة أن نكون على خطأ، فنحن مقتنعون بأنه ليس هناك فرق بين أن نكون على خطأ وأن نكون منبوذين، مثلما أننا مقتنعون بأنه ليس هناك فرق بين أن نكون على حق وأن نكون محبوبين (أشارت تيل سوان في هذا المقطع إلى موضوع البرمجات السلبية وهو أمر مهم يجب أن يتم تداركه).

الحق والباطل لطالما كانا مجرد وجهات نظر. الشخص الذي قال ذات مرة أن الأرض مسطحة كان مصيباً من وجهة نظره، إذ يقف على الأرض والأفق يبدو مسطحاً أمامه، لذا من منظوره أن الأرض مسطحة. عند تغيير وجهات النظر الأرض لم تعد مسطحة بل كروية، وذلك حدث فقط عند تغيير وجهات النظر حيث أصبحت الحقيقة السابقة خاطئة. إن الشخص الذي اعتقد بأن الأرض مسطحة سيغيِّر حقيقته فقط في حال غيَّر وجهة نظره. نحن نبحث عن المنظور النهائي لكننا لا نفهم أن وجهة النظر النهائية هي توحيد جميع وجهات النظر. الحقيقة المطلقة هي أقرب إلى ما قلته تواً أن جميع وجهات النظر صحيحة، وذلك إذا تم صياغتهم معاً جميعاً ينتهي بك الأمر مع وجهة النظر النهائية أو الحقيقة المطلقة. ما يهم هو حقيقتك لا حقيقة أي شخص آخر. دع حياتك تصبح كوكتيل صُنِعَ خصيصاً لك فقط من العناصر التي يتردد صداها معك، واترك تلك العناصر تصبح مرنة ومتغيرة مع مرور الوقت بسبب وجهة نظرك (وبالتالي حقيقتك) التي ستتغير مع مرور الوقت.

الناس الذين يخشون من الأنبياء الكذبة لا يثقون بأنفسهم، بل أكثر من ذلك فهم يخشون من الحقد. لهذا السبب من المهم معرفة أنه لا يوجد شيء اسمه الشر. كل شيء يحدث على الأرض يكون لأجل سبب واحد، وهو أن الشخص يقوم به لاعتقاده بأنه سوف يشعر بحالة أفضل إن فعله. القتل ليس شراً، إنه يحدث لأن القاتل يريد أن يشعر بشكل أفضل. هذا لا يجعل القتل صحيحاً أو جيداً ولكنه بكل ببساطة يدل أن وراء كل عمل يقع يكون لأجل نية إيجابية. جميع الأعمال البغيضة هي محاولات مضللة لإجراء نية إيجابية. أحد أشهر الأمثلة على ما يعتبره الناس نبياً كذاباً هو "جيم جونز" زعيم معبد الشعوب (يمكن الاطلاع على قصته كاملة من الويكيبيديا). قصته طويلة انتهت بحادثة تسببت بأكبر عملية انتحار جماعية في التاريخ، حيث تم العثور على 909 جثة لأتباعه بعد أن حثهم على الموت دعماً للشيوعية الرسولية. لا تعتقد للحظة واحدة أن "جيم جونز" فكَّر بأذية الناس، فقد كان يعتقد من وجهة نظره أنه يساعدهم حيث أعرب عن اقتناعه بأن الحياة على الجانب الآخر من الموت هي الطريقة الوحيدة التي يمكن أن تكون كلها مجانية. هذا المثال لا يُظهر لنا كيف يمكن للناس أن يكونوا أشراراً وإنما يبين لنا مدى خطورة وجهات النظر. كما يُظهر لنا قبل كل شيء كم هو مهم أن تضع ثقتك في نفسك وليس في المعلم أو القائد، إذ يجب التوقف عن اتخاذ جميع أقوال شخص ما على أنها حقيقة، بالإضافة إلى التخلي عن التمييز الخاص لصالح نبي محدد وإلا قد ينتهي الأمر إلى ابتلاع السم المدسوس في العسل.

ليس هناك شيء اسمه "نبي كاذب" لأن جميع الناس أنبياء، وجميع الأنبياء لهم وجهات نظر مختلفة. الدهاء يكمن في العثور على النبي الكامن في داخلك وجعل معرفة النبي أهم معرفة تعيش حياتك من خلالها.


تنويه

في النص الأصلي تم ذكر 7 نصائح تساعد على تنمية الثقة بالنفس لم يتم ترجمتها هنا وإنما سيتم ذلك في موضوع مستقل.


المصدر


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق