الأحد، 28 فبراير 2016

معنى الألم


تيل سوان Teal Swan

لا يستغرق الأمر سوى ثلاث ثوان للدخول إلى هذه الحياة حتى نعرف بأن الألم هو جزء منها. ولكن لا يوجد أحد منا يستيقظ صباحاً ليقول: "هدفي هو أن يكون يومي مؤلماً". إن معظم الناس يقضون حياتهم كلها حرفياً في محاولة للهروب من الألم وتجنبه. لو ألقيت نظرة على حياتنا ستجد أن هنالك بعض الأشياء التي نقوم بها لأنها تقودنا إلى البهجة، ولكن الجزء الأكبر من الأشياء التي نقوم بها تحديداً هي للهروب من الألم وتجنبه. نحن نذهب إلى المدرسة ومن ثم إلى العمل حتى نتمكن من ضمان أننا لن نشعر بالألم. نحاول أن نكون حذرين قدر الإمكان في اختيار الشريك (في أي مجال) بشكل مضمون قدر الإمكان كيلا يتوجب علينا الشعور بالألم والحسرة. نتزوج حتى نتمكن من ضمان أننا لن نشعر بألم الفراق. نأخذ حبوب منع الحمل كيلا يتوجب علينا الشعور بالألم المرتبط بالصدمات العاطفية السابقة. نضع المال في صندوق التقاعد كيلا يتوجب علينا الشعور بالألم حيث العمل إلى الأبد. لذا بمجرد إلقاء نظرة على حياتك بموضوعية سترى مقدار ما تعيشه للهروب من الألم أو تجنبه. هذا ليس خطأك، فقد تم فعلياً تصميم جميع الأنواع على الأرض لتجنب الألم والحصول على المتعة. لقد تم تصميمنا لحركة مستمرة بعيداً عن الألم ونحو المتعة، وهذه ليست عملية موجعة إلى أن نضيف معنى الألم إليها. حتى نجعل للشعور بالألم معنى يتوجب علينا مقاومة الألم نفسه. لذا ما الذي نعرفه عن المقاومة؟ إن كل ما نقاومه يستمر في وجوده. معظمنا مذعور تماماً من الألم بسبب ما أحرزناه له من معنى.

حتى الآن أريدك أن تسأل نفسك وتجيب بعمق وصدق ممكن من جوهر وجودك. ما الذي قمتَ به لجعل معنى للألم؟ فيما يلي مثال لشخص ما. "قد يعني الألم لجماعة ما أنهم فعلوا أو يفعلون شيئاً خاطئاً، وبالتالي فإنهم يحتاجون إلى تصحيح شيء أو تغييره على الفور. إذا لم يصححوا الشيء الخطأ هذا قد يعني لهم أنهم مكروهون، ليسوا جيدين وغير مرغوب بهم، وذلك يؤدي إلى تعرضهم لأن يكونوا مرفوضين ومنبوذين. إذاً الألم يعني التعرض للرفض والوحدة. الإنسان المادي كونه من ضمن الفصيلة الاجتماعية، لذا فالوحدة بالنسبة له تعادل الموت. في الحقيقة بالنسبة للكثيرين منا العَزل قد يكون أسوأ من الموت. لذلك قد نفضل الموت على الوحدة. إذا كان هذا هو الحال يصبح الألم مصيراً أسوء من الموت". إذا كنا هذا الشخص فإننا سنصبح مذعورين من الألم. إذا كنا هذا الشخص حيث جعلنا الشعور بالألم يرتبط بالخطأ وبالتالي بالسوء، سنكون متهورين لنخرج من الألم في المرة القادمة التي نشعر فيها به. سنعيد بشكل متواصل التفكير والقلق وحينها ستكون حياتنا غير مجدية، مجرد محاولة يائسة للسيطرة على الظروف الخارجية.

هذا ما يفكر به معظمنا حيث نعتقد بأن الألم خطأ وبالتالي سيء. إذا شعرنا بالألم فإننا نعتقد بأن شيئاً ما حدث بشكل خاطئ وفظيع. لقد أقرَّت الممارسات الروحية الحديثة أن العواطف أشبه ما تكون بالبوصلة. عندما نتفق مع فكرة أننا نخلق واقعنا الخاص في عقولنا نبدأ في استخدام الطريقة التي نشعر بأنها تشير إلى ما نخلق طريقته ونجذب ما نريد خلقه أو ما إذا كنا بصدد إنشاء وجذب شيء لا نريد إنشاءه. فجأة العواطف السلبية والألم يصبح العدو رقم واحد لنا، ويصبح تصور الألم على أنه خطأ وحينها يصبح الألم خطئاً. لذا نحن بحاجة إلى تغيير جذري للطريقة التي نرى بها الألم. الألم ليس سيئاً أو خطئاً وإنما إشارة إلى أنك على قيد الحياة، لأن فقدان الإحساس هو إشارة إلى أنك لم تعد حياً. الألم هو أيضاً تجربة متعددة الأبعاد تنطوي على الجانب المادي والعاطفي والعقلي لوجودنا. هذا يعني بأن الألم الجسدي يسبب الألم العاطفي والعقلي، والعكس صحيح. بغض النظر عما إذا كنت تتصور الألم كبداية من المستوى المادي أو العاطفي أو النفسي فالأمر سينتهي بالانطواء على جانبين من جوانب وجودنا الأخرى.

عندما نشعر بالألم فذلك يدعو اهتمامنا وتركيزنا إلى كل ما نحتاج لوجوده. هذا هو السبب الحقيقي في أن المعاناة كانت المدخل الرئيسي إلى التنوير للعديد منذ آلاف السنين. وجود وعيك يحول المعاناة إلى صحوة، وبسبب هذا لا ينبغي أن يكون هدفنا جعل الألم يذهب بعيداً. نحن بحاجة للسماح للألم بأن يُبدي لنا ما يحتاجه ليكون ظاهراً ومعروفاً، فهو ينبهنا عندما لا نكون على المسار الصحيح، لأنه أحد المظاهر الهامة للشفاء. ما تعتبره الأدوية الحديثة في النهاية ألماً هو في الواقع يطلق آليات الإصلاح، فهو ينبهنا إلى جوانب في أنفسنا تحتاج لأن تعود إلى المسار الصحيح حتى نصل إلى الكمال. الغرض من الحياة هو تسهيل الوعي ليصبح واعياً بذاته. الألم يدعونا لأن نصبح واعين بأنفسنا فهو محفز للمعرفة الذاتية حيث ينبهنا من سبات اللاوعي لدينا، وعلى هذا النحو فإن الأشخاص الذين يعانون من الألم لديهم فرصة للاستيقاظ. إنه نظام ارتجاع بيولوجي يحكي لنا عن أنفسنا، بل هو رسول. في كثير من الأحيان عندما نفكر بأن الألم سيء فكأننا نطلق النار على الرسول.

الألم يعد حافزاً للتوسع، فالكون يتوسع عندما نتوسع نحن نتيجة لتشكيل ميزات جديدة. كما يتسبب لنا في أن نصبح مدركين تماماً لما هو مطلوب بشكل أساسي ولما هو ليس مطلوباً بحيث يمكننا المضي في اتجاه ما هو مطلوب وبالتالي التوسع. العملية برمتها والتي نسميها التطور هي في الواقع نتيجة ثانوية للألم. إنه يخلق شخصاً متمكناً للغاية. في كل وقت يعطينا الألم الفرصة لنصبح على بيِّنة من سببه، حيث يتوجب علينا مواجهة جانب من أنفسنا وحياتنا الذي يخيفنا أو نحاول تجنبه. من خلال ذلك نحن نصبح أكثر تفاعلاً وأكثر حضوراً مع أنفسنا وأكثر راحة في مواجهة المخاوف. إننا نطور نوعاً من المناعة المرنة.

الألم هو التباين حيث نحتاج النقيض لنصبح مدركين. لا يمكننا فهم السواد بدون البياض، ولا يمكننا أن نفهم أو نختبر المتعة حقاً دون معرفة الألم. بهذه الطريقة الألم يثري الحالات العاطفية الإيجابية، وفي واقع الأمر يزيد من قدرتنا على المتعة. إذ للدرجة التي عانينا عندها، نحن قادرون على المستوى الآخر من السرور والبهجة. الألم هو أيضاً بذرة الرحمة. يجب علينا أن نعرف الألم لندركه في حالته الأخرى. يجب علينا أن نعرف الألم لنهتم بما فيه الكفاية لخلق عالم خال من المعاناة. الألم هو الحافز لتحسين جميع علاقاتك سواء مع الحياة، مع أشخاص آخرين، مع الكون بأسره، وعلاقتك مع نفسك. يصبح الألم معاناة عندما لا يستجيب للوجود، عندما يصبح خامداً، مقموعاً، منكَراً، منفيَّاً، مدفوعاً للماضي وعندما يتم تجاهل المعنى الذي أضافه. أنت لا تحتاج لأن تعاني بسبب الألم، فالمعاناة مرتبطة بالإدراك. بعبارة أخرى المعاناة هي ما يحدث عند جعل الألم في حد ذاته يعني شيئاً سلبياً. من المعروف جيداً أن الألم تم اختباره بشكل مختلف من قبل الأشخاص الذين جعلوا للألم معنى إيجابي بدلاً من السلبية. خلال الحرب العالمية الثانية تم التبليغ على نطاق واسع بأن عدداً كبيراً من الجنود تم إجراء عمليات جراحية لهم دون مخدر لأنهم افتخروا بجراحهم. لهؤلاء الأفراد لم تعد جراحهم تسبب معاناة بسبب ما تعنيه لهم. هذا يخبرنا أننا بحاجة لتغيير المعنى الذي أضفناه إلى الألم.

عالج الألم مثل معلم وتعلم من ألمك. تصور الألم، شاهده في عقل، ما لونه؟ ما ملمسه؟ متى بدأ؟. إذا كان يمكن لألمك التحدث إليك، ما من شأنه أن يقول؟ ماذا يحتاج؟ علينا أن نكون على استعداد لاختيار أن نكون حاضرين مع آلامنا والاستسلام لها لاستخدامها وتحويلها إلى أنفسنا. أنظر لحقيقة أن الألم رفيق للتحسن وليس خصماً. غالباً ما نصبح متطابقين مع آلامنا، هذه حقيقة لا سيما إذا كنا في الألم لفترة طويلة. ولكنك لست ألمك، فالألم هو تجربة تماماً مثل التموجات على الجزء العلوي من بحيرة، لذا هي مجرد اضطرابات في مياه البحيرة وليست البحيرة بأكملها. قد نستفيد من آلامنا بتخيلها مثل كينونات مستقلة عنا. عندما نشعر بالألم يمكننا رؤية أن هذا هو كيان الألم الذي يكون "عبئاً" علينا أو "حافزاً" لنا. عندما نعاني الألم المزمن فذلك يعني أن الألم لم يعد تجربة بالنسبة لنا. فنحن لم نستخدم الألم لخلق التغيير الذي يخبرنا به لفعله وبدلاً من ذلك أصبحنا نحن الألم.

الألم هو واقعنا وهويتنا. إذا أصبحت الأنا متطابقة معه، بالتالي ترى أنه ضروري لبقائها. علينا أن نسأل أنفسنا بصدق على الأسئلة التالية :

ما الشيء السيء الذي سيحدث لو جلست مع ألمي وسمحت له عوضاً عن محاولة جعله يذهب بعيداً؟
ما الذي من شأنه أن يأخذه أو ما يجب أن يحدث بالنسبة لي للسماح لألمي؟
ما الشيء السيء الذي سيحدث إذا كان الألم حقاً لم يذهب بعيداً؟.

لقد تم برمجتنا في مجتمعنا الحالي بألا نشعر بشيء. لقد تكيفنا للاعتقاد بأن الشعور بالألم (أو غيره) على حد سواء لا لزوم له وأنه شيء سيء، ولهذا فشلنا إلى حد ما. هذا الموقف زودنا بجميع أنواع الإدمان من خلال إقناعنا بأنه يجب علينا الهروب من الألم بأسرع ما يمكن. ذلك تسبب لنا بمقاومة الألم وبالتالي الشعور بالمزيد منه. في المرة القادمة التي تشعر بالألم ذكِّر نفسك أن الألم هو الحافز الحقيقي لتغيير الحياة. إنه واحد من أفضل الأشياء التي يمكن أن تحدث لك. إنه ليس مؤشراً على أن هنالك شيئاً خطئاً، تماماً مثل تقلصات الولادة التي ليست مؤشراً على أن هناك شيئاً خطئاً. الألم يدل على أنك تتوسع وتتحول لتصبح واعياً ومدركاً. أنت تتطور إلى ما يراد لك أن تكونه وأن تُمنح ولادة لذات وحياة جديدة.


المصدر


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق