الأحد، 28 فبراير 2016

الزواج



تيل سوان Teal Swan

الزواج موضوع مثير للجدل للغاية في العالم الحالي، حيث يعتقد البعض بأنه تعبير جميل عن الحب في حين يعتقد البعض الآخر أنه عادة قديمة غايتها تقييد الشخص. الدافع للزواج هو دمج حمضنا النووي مع شخص ما لضمان استمرار بقاء جنسنا البشري. العلاقة بين شخصين هي الهيكل الاجتماعي الأساسي لجنسنا البشري فقد وُجدت منذ آلاف السنين مما ترتب على ذلك آثار خطيرة، فهذا يعني أنه عند هذه المرحلة من الوقت بدلاً من حل العلاقة بن شخصين يجب ترسيخها وذلك كي تتحول إلى مظهر أرقى مما سيؤدي في الواقع إلى تحوُّل المجتمع.

منذ حوالي 11000 سنة تحول البشر من مرحلة الصيد وجمع الغذاء إلى الزراعة. ما يعنيه ذلك هو أننا لم نعد من البدو الرحل المتنقلين لأننا تعلمنا كيفية تدجين الحيوانات وزراعة المحاصيل الغذائية. عند هذه المرحلة ظهر في المجتمع البشري مفهوم "الملكية" حيث أصبحت الملكية محمية ومُعترف بها ومحترمة من قِبَل الآخرين. أدت الملكية إلى ظهور الاقتصاد وفكرة الثروة مقابل الفقر، وعند هذه المرحلة أصبح الترابط بين شخصين أقل جاذبية حيث ازداد الاهتمام بالاقتصاد أكثر، ثم أصبحت النظرة تجاه النساء والأطفال (الذين هم في حاجة أيضاً للحماية) امتداداً لحيازة الممتلكات والثروات. كان الزواج المنظَّم أول نموذج حقيقي للزواج المعترف به اجتماعياً وقد تم ابتكاره لضمان الوضع الاقتصادي والاجتماعي للأسرة. هذا الابتكار استمر في الواقع على نفس المسار حتى القرن الثامن عشر عندما بدأ الناس رؤية الزواج الرتيب باعتباره خسارة للحرية الشخصية الكامنة في اختيار الذين يتم الاقران معهم. عند هذه النقطة أصبح الزواج أكثر من عقد مصمم لتلبية الاحتياجات النفسية والسعادة الشخصية والاستقرار.

الزواج هو فعل يجعل علاقة الشخص معروفة ومعترف بها ورسمية بالنسبة للآخرين، ويتم ذلك مع نية أن تكون العلاقة دائمة طوال فترة حياة الزوجين. هذا العمل ليس فقط سلوكاً اجتماعياً وإنما هو أيضاً إجراء قانوني في مجتمعنا الحالي. ظاهرياً قد يتزوج شخصان لأسباب قانونية، اجتماعية، مالية، دينية، روحية، عاطفية أو حتى لأسباب شهوانية جنسية. وعندما يتم الاعتراف به من قِبل جهة قانونية يُعتَبر عقداً.

من المهم ملاحظة أن شروط الزواج غير محددة فالزوجان أنفسهما يقررانها، حيث يتم الاتفاق على البنود التي تأتي جنباً إلى جنب مع الزواج بناءاً على الحقوق والقيود (أو ما يُسمى عند الشرق عادة بالواجبات). من بعض الأمثلة على الشروط "الحقوق القانونية" حيث يحق لكل من الزوجين نصف الممتلكات التي لديهم، ومن الأمثلة كذلك "القيود الجنسية" إذ لا يُسمح لكل من الزوجين الانخراط في ممارسات جنسية مع أي شخص آخر غير الزوج. إلا أن شروط الزواج تتأثر بشكل كبير بثقافة المجتمع بغض النظر عما إذا كانت هذه الشروط متوافقة أم لا مع الحقيقة الكونية، حيث هنا تتعقد الأمور. فعلى المستوى العاطفي يمكنك ببساطة الارتبط جنسياً بشخص واحد بكل مودة دون الشعور بأنك مقيَّد، أما على المستوى الاجتماعي فهذا القرار هو ضرورة اجتماعية استمرت عبر الزمن خوفاً من ظاهرة الأطفال غير الشرعيين الذين يهددون حقوق الملكية، وبما أن الأمر أتى بهذه الصورة فقد أصبح قيداً. من المهم أن نكون دقيقين جداً في شروط الزواج لذلك على كل شريكين معرفة بعضهما البعض وأن يكونا متفقين بشكل كامل على كل شرط من شروط الزواج. من المهم أيضاً أن تكون واضحاً فيما يخص الأسباب التي دفعتك لتلك الشروط بدلاً من مجرد قبولها بشكل أعمى فقط لأنه تم وضعها أو اعتمادها كما هي سواء من قِبَل شخص ما أو من قِبَل المجتمع نفسه.

من منظور كوني كل شيء في الوجود هو أنت وهذا يعني أن كل شخص هو أنت، لذلك إعطاء الأولوية لشخص واحد أكثر من أي شخص آخر لا معنى له من هذا المنظور. لهذا السبب ونحن نتطور كجنس بشري إلى تردد أو اهتزاز أعلى نحو مزيد من الاستنارة في منظورنا للمصدر (الخالق) فإن الزواج سيكف عن كونه وظيفة في المجتمع، لذا نحن سنتطور تجاه إقامة علاقات مع أشخاص عدة (Polyamory). إذا كنت تحمل وجهة نظر المستنير فإن الانفصال لن يكون موجوداً وقتها حتى أنك لن تفكر في الرغبة بالارتباط، وبالتالي علاقة الزواج لن تكون دافعاً. الرغبة في الارتباط مع الآخرين تزول مثل فكرة الانفصال عنهم تتشتت.

بعد كل هذا قد تسأل هل الزواج أمر إيجابي؟ لماذا قد تكون المشاركة في تجربة الزواج فكرة جيدة من منظور كوني؟. العلاقات حالياً هي لبُّ التوسع والتوسع القادم من تجربة لعلاقة أولية أمر هائل. سوف يصبح شريك حياتك أكبر مرآة  لك والالتزام بها هو نفس الالتزام للوعي الذاتي. أيضاً تأتي من منظور أن علاقة الزواج التي تكون بين شخصين تُحسِّن الذبذبات بشكل هائل أكثر من حالة الفردية (شخص واحد). يجب عليك أن تتطور للبقاء في علاقة طويلة الأمد مع شخص ما، ولكن لماذا؟. الشخصيات تتغير والرغبات تتغير وكذلك العمر الجسدي، الحب الرومانسي يتعاظم ويتضائل، والحياة لا تزال توفر لك التباين ولا يوجد علاقة خالية من الخلافات. الطريقة الوحيدة للبقاء معاً هي أن تصبح مرناً ومنفتحاً وأن تكون أفضل صورة من نفسك. هذه الحالات تجعلك على المسار الروحي بشكل كبير لتبقى أو لتكون دائماً خلاله.
                
الزواج هو ممارسة روحية من نوع خاص. إذا اخترنا المسير في طريق آخر بعيداً عن العلاقات عند تأزم الأوضاع سوف نفقد الفرصة للنمو بسبب الهروب من انعكاستنا وجوانبنا المظلمة التي ستستمر في مطاردتنا من شريك إلى شريك بدلاً من مواجهتها. عندما تنعكس هذه الجوانب المظلمة في الشخص الآخر ليس علينا فقط تحويلها وإنما أيضاً حبها. عند الالتزام مع شخص آخر في الزواج نحن نلتزم في نهاية المطاف مع أنفسنا. الزواج هو فرصة لممارسة الوحدانية وبالتالي التوحد مع شخص ما يُنظر إليه حالياً على أنه "الآخر". هذا هو السبب في أن ذلك يحدث كثيراً بين رجل وامرأة مما يساعد على التناغم بين الأقطاب من الجنسين.

الزواج الشرعي هو في الحقيقة وظيفة اجتماعية بدلاً من كونه روحانياً، وهذا هو السبب في أن قرار الزواج من الناحية القانونية يجب أن يكون أكثر اهتماماً بالاعتراف القانوني والاجتماعي لهذا الزواج. الحب والالتزام هو شيء منفصل تماماً عن الشرعية وهذا هو السبب في أن الطقوس الروحية للزواج هي أكثر أهمية بكثير من المراسم القانونية. إنها مناسبة من الآن وصاعداً لوضع نية قوية جداً للبقاء متحدين ولأجل أن تدعم هذه الوحدة مِن قبل الآخرين. هذه النية تعيدنا في نهاية المطاف إلى الحقيقة المطلقة للوحدانية، وهذا هو السبب في أن حفلات الزفاف يمكن أن تكون جميلة جداً فهي تذكرنا جميعاً بجوهرنا الحقيقي ألا وهو الحب.

من المهم إدراك أنه لا يمكننا معرفة ما سوف نرغب به غداً، فكل علاقة تمدنا بشيء مختلف مما يتسبب بزيادة رغبتنا بذلك الشيء أو الرغبة بشيء آخر، وعندما تولد الرغبة فإنه لا يمكن إنكارها لأن ذلك يتسبب بمعاناة كبيرة. بالنسبة لمسألة بقاء الزوجين في حالة من السعادة فهذا أمر لا يمكن تحقيقه، إذ يجب علينا أن نتطور باستمرار جنباً إلى جنب. إذا كان الزوجان يرغبان بشدة في أشياء مختلفة عن بعضهما بشكل كبير يجب أن يختار كل منهما طريقاً مختلفاً ولذلك لا يجب أن يجمعهما أي عقد كان. لا يوجد حالة من الاستنارة تلك التي تعيق توسعك من أجل وعد قطعته وإنما يسمى ذلك "تضحية بالنفس"!. هذا الأمر لن ينتهي بشكل جيد أبداً، كما أنها ليست سمة رائعة كما تم تصويرها من قبل المجتمع الذي قام ببرمجة العقل البشري لرؤيتها كذلك. ولكن قبل أن تصاب بالفزع وتبدأ في التفكير بأنه من المستحيل أن تجد شخصاً يرغب بنفس الأشياء التي تمنيتها طوال حياتك، توقف عن التفكير في هذا الأمر. يمكنك أن تطلق رغبتك للكون (اطلب من الكون أو الخالق أياً كان اسمه) في التواصل مع الشخص الذي سوف يكون متوافقاً مع رغباتك أو من هو قادر على مساعدتك في التوسع والذي سيكون إلى جانبك طوال حياتك. ولكن يجب أن تعلم بأنه لا يمكنك الحصول على الرغبات التي لا يُراد لها أن تكون لك، وهذا يعني أنك إذا كنت حقا تريد الزواج لفترة طويلة وسمحت لهذا أن يكون في حياتك فإن الكون يجلب لك رفيقة / رفيقاً قادراً على أن يكون معك لحياتك كلها دون أن يساعدك على التوسع وكل منكما سيكون في اتجاه مختلف.

الحب هو ليس السبب الوحيد الصحيح للزواج، فالزواج هو مكانة اجتماعية وهي السبب الوحيد الصحيح للزواج. ليس من الخطأ أن تكون متزوجاً لأنه لا يوجد رغبة خاطئة، فإذا كنت ترغب في الزواج لأسباب مالية فذلك جيد ولا حرج عليك. إذا كنت ترغب في الزواج للحصول على الإقامة في بلد أجنبي فذلك جيد ولا حرج عليك. إذا كنت ترغب في الزواج لأجل المكانة الاجتماعية فذلك جيد ولا حرج عليك. إذا كنت ترغب في الزواج من أجل الحب فذلك جيد ولا حرج عليك. المهم هو أن تكون واضحاً حول الأسباب التي دفعتك للزواج لأنه في حال لم تكن كذلك سيقيدك المجتمع بشروطه وحينها لن تكون متوافقاً مع حقيقتك الذاتية.

الحجة الرئيسية ضد الزواج هو أنه فكرة عفا عليها الزمن والتي تقيد التعبير عن الحب والتعبير عن الذات...إلخ، كما أنه  يفرقنا. في نهاية المطاف جنسنا سوف يتطور إلى الحد الذي لن تعد فيه العلاقة بين زوجين تخدم توسعنا، حتى أنه لن يكون هنالك إشارة له على الإطلاق. ولكن أولئك الذين يسعون للقضاء على الزواج انطلاقاً من قضية عدم الانفصال والوحدانية يحاولون تجاوز هذه الخطوة، والسبب في ذلك يرجع إلى حقيقة أن الزواج بالنسبة لهم انعدام للحرية. إذا كنت ترفض الزواج يجب أن تصنع سلاماً معه وأن تراه من منظور حرية متاحة قبل أن تتمكن حقاً من عيش حياة متعددة العلاقات (Polyamory) وتكون متوافقاً معها. كيف يمكنك معرفة أنك متوافق مع تعدد العلاقات (Polyamory) وأنت  تعيق الزواج الأحادي (Monogamy)؟ أليس نفس الأشخاص الذين يتفقون مع فكرك هم بالأساس مرتبطون عاطفياً بزواج أحادي!.

مجتمعنا القائم على العلاقة بين شخصين ما هو إلا وسيلة لمجتمع متعدد العلاقات (Polyamorous) وذلك عندما تتغير أشياء كثيرة وكبيرة داخل المجتمع حيث تصبح لدينا القدرة على خلق زواج متناغم يقوم على الحب. معظم الناس في مجتمع اليوم لا يزالون غير قادرين على تعدد العلاقات (Polyamory) حتى الأشخاص الذين يتمتعون بأسلوب حياة متعدد العلاقات (Polyamorous) يميلون إلى هجرها بشكل مأساوي في أعقابها. ولكن لماذا؟ السبب هو لأننا جميعاً لدينا قاعدة "تجنب احترام الذات" في العلاقات الأساسية لدينا. هذا الارتبط الذي لدينا حول القبول من الخارج ناجم عن الكيفية أنشأنا عليها آباؤنا عندما كنا أطفالاً، حيث معظم الأشخاص في المجتمع يعتمدون على الآخرين في مفهوم الذات (أي الشخص يرى ويقيِّم نفسه من خلال آراء ونظرة الآخرين له).

عدد كبير من الأشخاص في جماعة العصر الجديد يحاول أن يصبح متوافقاً مع علاقات مفتوحة تقوم على فكرة أن حالة "الحب الحر" هي حالة أكثر روحانية والتي يطمح إلى أن يعيشها. في غضون ذلك يشعرون بالفزع في حال أحسوا بشيء سيء حول هذه الفكرة. ولكن الحقيقة هي أن لا أحد منا يحب نفسه بشكل تام، وهكذا نحن نبتعد عن رؤية المشكلة مرة أخرى. في الحقيقة بالنسبة لمعظمنا فإن الخطوة التي نحن بحاجة إلى اتخاذها هي تقييم أنفسنا بما فيه الكفاية لنسمح لها بأن ترغب في تجربة شخص اختارنا نحن فقط كشريك أو رفيق. إذا كنت ترغب في تجربة ذلك الأمر بوعي منك فلا يمكنك أن تنكر أو ترفض رغبتك. ربما بعد سنوات من تجربة ما مثل أن تكون محبوباً بشكل كلي من قِبَل شريك واحد، أنت وشريك حياتك سوف تقرران أنك على استعداد لتجربة جديدة ومن ثم كلاكما على حد سواء قد يكون على استعداد لتجربة علاقة متعددة (Polyamory). أو قد تقرر أن تحب أن تكون مقيداً داخل حضن وأمان شريك لبقية حياتك.

الزواج يمكن أن يدمر حياة أشخاص، ويمكن أن يوفر أيضاً فرصة لتضميد الجراح على العديد من المستويات. لذلك يجب إعادة قراءة وعود أو نذور الزواج بإضافة "حتى التوسع" كجزء منها بدلاً من "حتى الموت". الزواج فريد جداً حيث نمارس خيارنا الشخصي لنشمل شخصاً آخر في سعادتنا. قد لا يكون من مسؤوليتنا جعل شخص ما سعيداً ولكن عند اختيارنا شخصاً ما كشريك فإن سعادته تصبح جزءاً من سعادتنا، وضمان سعادتنا يعني ضمان سعادتهم، وفي ذلك خيار جميل نقوم به.
              
في البعد المادي نحن نعيش في عالم ثنائي، وهذه الازدواجية هي مصدر التباين. توحيد هذه الازدواجية هو النعيم حيث يوفر لنا الزواج فرصة للعيش خارج التعبير المادي بهذا التوحيد في جوانب مزدوجة. ولكن ليسوا مخطئين أولئك الذين يختارون عدم الزواج تماماً مثل أولئك الذين اختاروه شريطة أن يكون كلا القرارين قد تم من منطلق الوعي.


المصدر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق